ما هي طرق المعرفة؟
لم يطلب الله عزوجل من الإنسان المعرفة إلّا وقد سهّل له طرق الوصول إليها، وهي متعدّدةٌ، سهلةٌ، وفي متناول الجميع، ولذلك وهبه الله سبحانه الأدوات الّتي من طريقها يصل إلى المعرفة الصحيحة، ومنها:
1ـ الحواسّ:
إنّ أوّل طريق يتعرّف الإنسان من خلاله على هذا الكون هو طريق الحواسّ الخمس «السمع البصر الشمّ الذوق اللمس». ويؤدّي فقدان حاسّةٍ من هذه الحواسّ إلى فقدان الإنسان مجموعةً من المعارف والعلوم.
2ـ العقل:
وهو الأداة الّتي وهبها الله تعالى لهذا الإنسان، وخصّه بها دون غيره من المخلوقات. وامتلاك الإنسان لهذه الأداة جعله يدرك الأشياء الّتي لا تتمكّن سائر المخلوقات من إدراكها.
ومثال ذلك يدور حول التساؤل التالي:
هل رأيت الكهرباء؟ كيف تؤمن بوجودها وأنت لا تعرف حقيقتها؟
الجواب: العقل هو إحدى الطرق الّتي أوصلتك إليها، فمتى رأيت الضوء، علمت أنّ هناك طاقةً ما جعلته يبعث النور.
وهذا إيمان بالعقل لا بالحسّ، لأنّك وصلت إلى يقينٍ واطمئنانٍ بوجود شيءٍ لم تدركه بواحدةٍ من الحواسّ الخمس.
وقد أشار القرآن الكريم إلى هذين الطريقين، قال تعالى: ﴿وَالله أَخرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُم لَا تَعلَمُونَ شَئا وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمعَ وَٱلأَبصَارَ وَٱلأَفِٔدَةَ لَعَلَّكُم تَشكُرُون﴾ (سورة النحل، الآية 78.)
تتحدّث الآية الكريمة: ﴿سَنُرِيهِم ءَايَاتِنَا فِي الأفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِم حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُم أَنَّهُ ٱلحَقُّ أَوَ لَم يَكفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُۥ عَلَىٰ كُلِّ شَيء شَهِيدٌ﴾ (سورة فصّلت، الآية 53). عن وجود طريقين لمعرفة الله تعالى يصل الإنسان من خلالهما إلى الإيمان بوجود الله، من خلال استخدام أداتَي المعرفة لديه أي الحسّ والعقل.
الطّريق الأوّل: التأملّ في الآفاق
إذا تأمّلت فيما يحيط بك من مخلوقاتٍ صغيرةٍ وكبيرةٍ، من شمسٍ وكواكبَ ونجومٍ وليلٍ ونهارٍ وسحابٍ ومطرٍ، فإنّك سوف تجد أنّها قد نُظّمت بشكلٍ دقيقٍ للغاية، بحيث لا تستطيع إلّا أن تعتقد بوجود قوّةٍ عالمةٍ قادرةٍ قاهرةٍ قامت بفعل ذلك كلّه، وهذا هو الله تعالى.
وقد وردت آيات أخرى في كتاب الله تفصّل هذا الطريق وتشرحه لنا منها قوله تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلقِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَٱختِلَافِ الَّيلِ وَالنَّهَارِ وَالفُلكِ الَّتِي تَجرِي فِي ٱلبَحرِ بِمَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ وَمَا أَنزَلَ الله مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاء فَأَحيَا بِهِ الأَرضَ بَعدَ مَوتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّة وَتَصرِيفِ ٱلرِّيَاحِ وَٱلسَّحَابِ ٱلمُسَخَّرِ بَينَ ٱلسَّمَاءِ وَالأَرضِ لَأيَات لِّقَوم يَعقِلُونَ﴾.
الطريق الثَّاني: التأمّل في الأنفس
لو نظر الإنسان إلى نفسه، فإنّه سوف يدرك تماماً أنّه لا بدّ له من خالقٍ أوجده، لأنّه يعلم يقيناً أنّه لم يكن موجوداً ثمّ وُجد فهو:
أـ إمّا أن يكون قد وُجد من دون علّةٍ ودون سببٍ، وهذا أمر لا يصدّقه عاقلٌ.
ب ـ وإمّا أن يكون هو الّذي أوجد نفسه، فهذا يعني أنّه لا بدّ من أن يكون موجوداً قبل أن يوجد لكي يخلِق نفسه، وهو مستحيلٌ.
ج ـ أو أن يكون مخلوقاً لخالقٍ أعظم منه منزّهٍ عن كلّ صفات المخلوقين، حيٍّ، عليمٍ، قديرٍ، وهو الله ، وهو الاحتمال الصحيح.