القرآن الكريم الكتاب الخالد

قال تعالى: ﴿ قَدۡ جَآءَكُم مِّنَ ٱللَّهِ نُورٞ وَكِتَٰبٞ مُّبِينٞ ١٥ يَهۡدِي بِهِ ٱللَّهُ مَنِ ٱتَّبَعَ رِضۡوَٰنَهُۥ سُبُلَ ٱلسَّلَٰمِ وَيُخۡرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذۡنِهِۦ وَيَهۡدِيهِمۡ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ ﴾[1].
القرآن الكريم هديّة الله سبحانه إلى البشريّة، يهديها إلى طريق سعادتها قال تعالى: ﴿ إِنَّ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ يَهۡدِي لِلَّتِي هِيَ أَقۡوَمُ وَيُبَشِّرُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمۡ أَجۡرٗا كَبِيرٗا ﴾[2].
وهو كلام الله سبحانه وتعالى بلّغه لنا عن طريق نبيّنا محمّد (صلى الله عليه وآله)، وقد أوصانا الرسول (صلى الله عليه وآله) بالاهتمام والعمل به، وغدًا يشتكي من أمّته لهجرها له، قال تعالى حاكيًا عن لسان النبيّ (صلى الله عليه وآله): ﴿ وَقَالَ ٱلرَّسُولُ يَٰرَبِّ إِنَّ قَوۡمِي ٱتَّخَذُواْ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ مَهۡجُورٗا ﴾[3].
والآيات الكريمة والأحاديث الشريفة التي تحثّ على الاهتمام بالقرآن وتلاوته والعمل به كثيرة جدًا، لذا ينبغي على كلّ مسلم أن تكون قراءته للقرآن في كلّ يوم من برامجه الثابتة، ويختار له الوقت المناسب، ويفضل أن يكون قبل الصلاة أو بعدها.
قراءة القرآن في الأحاديث
ورد عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) الكثير من الأحاديث التي تتحدّث عن أثر تلاوة القرآن وثوابها وتعلّمه، نذكر منها:
1- ما عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: «أشراف أمّتي حملة القرآن وأصحاب الليل»[4].
2- وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «تعلّموا القرآن فإِنّه أَحسن الحدِيث، وتفقّهوا فيه فإِنّه رَبيع القلوب، واستشفوا بنورِه فإِنّه شفاءُ الصدُورِ»[5].
3- وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إِن البيت إِذَا كان فيه المرءُ المسلم يتلو القرآن يترَاءَاه أَهل السماءِ كما يترَاءَى أَهل الدُّنيا الكوكب الدُّرِّي في السماءِ»[6].
4- وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «البيت الذِي يقرَأُ فيه القرآن ويذكرُ الله عزَّ وجل فيه، تكثرُ برَكته، وتحضرُه الملائكةُ، وتهجرُه الشياطين»[7].
5- وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: «معلّم القرآن ومتعلّمه، يستغفرُ له كلّ شيءٍ، حتى الحوت في البحرِ»[8].
6- عن أبي عبد الله (عليه السلام): «القرآن عهد الله إلى خلقه فقد ينبغي للمرء المسلم أن ينظر في عهده وأن يقرأ منه في كل يوم خمسين آية»[9].
7- عن الإمام الصادق (عليه السلام): «وعليكم بتلاوة القرآن، فإن درجات الجنة على عدد آيات القرآن، فإذا كان يوم القيامة يقال لقارئ القرآن: اقرأ وارق، فكلّما قرأ آية رقى درجة…»[10].
آداب قراءة القرآن الكريم
1- الطهارة
المقصود بها ألّا يكون عليه غسل وأن يكون على وضوء، فلا يجوز مسّ حروف القرآن وآياته من غير وضوء وطهارة، فعن أبي بصير، قال: سألت أبا عبد الله عمّن قرأ في المصحف وهو على غير وضوء؟ قال: «لا بأس، ولا يمسّ الكتاب»[11].
2- البدء بالاستعاذة
قال تعالى: ﴿ فَإِذَا قَرَأۡتَ ٱلۡقُرۡءَانَ فَٱسۡتَعِذۡ بِٱللَّهِ مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ ٱلرَّجِيمِ ﴾[12]، من كمال الأدب أن يشرع القارئ في القراءة بالاستعاذة، ويقصد بها تطهير القلب من الوسوسة الصارفة عن ذكر الله تعالى.
3- القراءة بخشوع وتدبّر
حيث ينبغي لقارئ القرآن أن يجلس بتأدّب وخشوع ويبتعد عن الفوضى وكلّ ما قد يشتّت الذهن، ويقبل على التلاوة متفرّغًا لها، فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): «قارِئ القرآن يحتاج إِلى ثلاثةِ أَشياء: قلب خاشع، وبدَن فارِع، وموضع خال، فإِذَا خشع لله قلبه فرَّ منه الشيطان الرجيم»[13]، وقال تعالى: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَ أَمۡ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقۡفَالُهَآ ﴾[14].
4- القراءة بتمهّل وبصوت حسن
عن الإمام الصادق (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى: ﴿ وَرَتِّلِ ٱلۡقُرۡءَانَ تَرۡتِيلًا ﴾[15]، قال: «هو أن تتمكّث فيه بقراءة القرآن وتحسّن به صوتك»[16]، فينبغي أن تكون القراءة بتمعّن وتمهّل، والغرض منها أن يتدبّر القارئ معاني القرآن الكريم ومراميه، فينتفع بأحكامه ومواعظه، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إِنّ لكلّ شيءٍ حليةً، وحليةُ القرآن الصوت الحسن»[17]، فإنّ زينة القرآن الكريم الصوت الحسن، لما يحدثه من تأثير في قلب القارئ والمستمع على حدّ سواء، ممّا يساهم في تليين القلوب القاسية.
5- تعلّم القراءة الصحيحة
من المهمّ جدًّا أن نقرأ بالشكل الصحيح قراءة خاليةً من الأخطاء اللفظيّة أو النحويّة، أو اللغويّة؛ لأنّ أيّ خطأ لغويّ سيغيّر في المعنى وفي كلام الله تعالى، فمثلًا إذا لم تضبط الحركات الإعرابيّة من فتحة وضمة وكسرة، يتغيّر المعنى بشكل كبير، نذكر على سبيل المثال قوله تعالى: ﴿ وَإِذِ ٱبۡتَلَىٰٓ إِبۡرَٰهِۧمَ رَبُّهُۥ بِكَلِمَٰتٖ فَأَتَمَّهُنَّۖ ﴾[18]، فإن قرأت كلمة إبراهيم بالضمّ والعلماء بالفتح يتغيّر المعنى، ويكون إبراهيم الفاعل والله المبتلى والعياذ بالله وكذلك في قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَخۡشَى ٱللَّهَ مِنۡ عِبَادِهِ ٱلۡعُلَمَٰٓؤُاْۗ ﴾[19].
وقد حثّت الروايات الشريفة على تعلّم القرآن وتعليمه، فجاء عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله): «خياركم من تعلّم القرآن وعلّمه»[20].
6- الاستماع إلى القرآن الكريم
الاستماع إلى القرآن الكريم من مظاهر الاحترام لكلام الله سبحانه. وهو ما أمرَنا به الله تعالى، إذ قال: ﴿ وَإِذَا قُرِئَ ٱلۡقُرۡءَانُ فَٱسۡتَمِعُواْ لَهُۥ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ ﴾[21]، ومعنى الاستماع والإنصات، أن يكون السامع قاصدًا الإصغاء لما يقرأ، ذلك الإصغاء المشفوع بالسكوت عند تلاوة كلام الله احترامًا له، فإنّ من العادات السيّئة أن ترى بعض الأشخاص في أثناء قراءة القرآن في مجالس الفاتحة وغيرها يتكلّم ويضحك، ومن غير أن يكترث في المجلس للقرآن الكريم.
وقد بيّنت الروايات الشريفة فضل استماع القرآن والإنصات له، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: «من تلا آيةً من كتاب الله كانت له نورًا يوم القيامة، ومن استمع لآية من كتاب الله كتبت له حسنةٌ مضاعفة»، وعنه (صلى الله عليه وآله): «يدفع عن قارئ القرآن بلاء الدنيا، ويدفع عن مستمع القرآن بلاء الآخرة»[22].
ملحوظة
لا بدّ من الإشارة إلى ضرورة الرجوع إلى العلماء في فهم الآيات وتفسيرها، والتأمّل في معانيها وعدم التفسير بالرأي، حتى لا يكون المرء مصداقًا للحديث القدسيّ: «ما آمن بي من فسّر برأيه كلامي»[23]، وقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من قال في القرآن بغير علم فليتبوّأ مقعده من النار»[24].
القرآن الكريم أنيس المجاهدين
يقول الإمام الخامنئي (حفظه الله): «فليحتفظ كلّ واحد منكم بنسخة من المصحف في جيبه، فإذا كنتم في مكان ما ووجدتم متّسعًا من الوقت، كما لو كنتم تنتظرون شيئًا، حتى لو دقائق قليلة دقيقتين، أو ثلاث، أو خمس أو نصف ساعة، فافتحوا القرآن وابدؤوا بتلاوته، وبذلك تستطيعون أن تحصلوا على حالة الأنس بالقرآن. فإننا، وعلى امتداد ثماني سنوات من الحرب المفروضة، وبينما كنا تحت أزيز الرصاص ووقع المدافع، كنا نجد على الجبهات شبانًا يستغلون كل فرصة وكل متسع من الوقت للاشتغال بتلاوة القرآن كانوا وهم في تلك الحالة من الحرب المستعرة يفترشون الأرض، ويتناولون المصاحف، ويقضون أوقاتهم بالتلاوة. كنا نجدهم يفعلون ذلك أيضًا أثناء ركوبهم الشاحنات أو ناقلات الجند، وهكذا وصلوا»[25].
4ـ بحار الأنوار، العلّامة المجلسيّ: 84: 138.
6ـ الكافي، الشيخ الكلينيّ 2: 610.
8ـ مستدرك الوسائل، المحدّث النوريّ 4: 235.
9ـ الكافي، الشيخ الكلينيّ 2: 609.
11ـ الكافي، الشيخ الكلينيّ 3: 50.
13ـ بحار الأنوار، العلّامة المجلسيّ 82: 43.
16ـ بحار الأنوار، العلّامة المجلسيّ 89: 191.
17ـ الكافي، الشيخ الكلينيّ 2: 615.
20ـ بحار الأنوار، العلّامة المجلسيّ 92: 19.
22ـ تاريخ دمشق، ابن عساكر 32: 175.