السيد الخميني والفكر الزيدي
رأيت في بعض الصفحات لأشخاص (معممين) يروجون لفكرة كون فكر السيد الخميني فكرًا زيديًا وليس فكرًا إماميًا خالصًا، وبالتأكيد أنّ هكذا كلام يكشف عن جهل صاحبه ومروجه والمعتقد بصحته، وهذه الشبهة يمكن أن تعود لاحتمالين:
الاحتمال الأوّل: لكونه يؤمن بنظرية ولاية الفقيه.
الأحتمال الثاني: لكون خطّه جهاديًا.
- الاحتمال الأول: القول بولاية الفقيه
لم يكن القول بـ(ولاية الفقيه) وتأسيس حكومة إسلامية من مختصات السيد الخميني، بل هو رأي قديم يوجد له مناصرون من العلماء في كل زمان، وهو رأي فقهي محترم عند الفقهاء سواء قبلوه أم رفضوه.
وهذا الخوف والتخوين نابع من التأثر بالإعلام الغربي المعادي كما يقول السيد محمد صادق الروحاني: (وكان من جملة مصائده وحبائله نغمة التفكيك بين الدين والسياسة، حتى صارت هذه النغمة من أخطر الشبهات والمفاهيم الخاطئة التي صارت سببًا لما نراه الآن من حال الاسلام والمسلمين في البلاد الاسلامية) [فقه الصادق ج ٢٤ ص ٣٥].
تابع ⬆️
ويقول السيد الخميني: (الفكرة القائلة بأنَّ طالب الحوزة العلمية يجب أن يكون منفصلاً عن المجتمع والسياسة من الأفكار الخطرة المنحرفة التي استطاع زرعها فينا الخارجون عن الدين، وهم يريدون بذلك القضاء علينا وقتل الإنسانية فينا.
فإنَّهم يخافون (الإنسان) ويسدّون أمامنا طرق الكمال، ولا مانع لديهم بعد ذلك أن نعمر المساجد بالصلاة والعبادة. حين وصل القائد البريطاني إلى بلادنا وسمع المؤذّن يؤذّن سأل: إذا قام بهذا العمل فهل يضرّ بالدولة البريطانية؟ فقيل له: كلا. فقال: فليفعل ما يشاء) [كتاب البيع ج ٨ ص ١٦٢].
ويقول الشيخ الأيرواني: (لقد كان السيد الخوئي ينكر ولاية الفقيه… لكنه مارسها عملاً في زمن الانتفاضة، وأخذ بتشكيل لجنة، وتصدى بنفسه لتشكيل #مجلسلإدارةالبلاد، وهذا نحو من تصدي الفقيه) [جامع الفوائد الغروية ص ٣٨].
فلو كان كل من يقول بولاية الفقيه أو يمارسها عملاً #زيدي لكان الكثير من الفقهاء الذين تقرون بتقديسهم وتعظيمهم وخلوص فكرهم الإمامي من الزيدية!
أما شبهة (كل راية ترفع قبل القائم في ضالة) فقد دفعها حتى من لا يقول بولاية الفقيه، كالشيخ الأيرواني إذ يقول: (على أساس ما تقدم يطرح تساؤل مفاده: أنّه ماذا نفعل تجاه الروايات القائلة: (كل راية ترفع قبل القائم (عليه السلام) فصاحبها طاغوت يُعبد من دون الله عزّ وجل) [الكافي ج ٨ ص ٢٩٥] وإن هذا يعني: أنّه لا بدَّ أن لا نفعل شيئًا.
والجواب: أنّ هذه الروايات ناظرة إلى صاحب الراية، وهي كناية عن الدعوة إلى النفس، أمّا إذا فُرض أنّ شخصًا لا يدعو إلى نفسه، وإنما يدعو إلى الإسلام، كما هو الحال الذي يريده الفقيه، فهذا لا يصدق عليه أنّه صاحب راية.
هذا مضافًا: أنّه ورد في رواية زكريا النقاض -التي ذكرت في الكافي بعد ذكر تلك الرواية السابقة- : (من رفع #راية_ضلال فصاحبها طاغوت) [الكافي ج ٨ ص ٢٩٦]، فإذا لاحظنا هذه الرواية بالنسبة إلى تلك نجدها أخصّ مطلقًا من تلك فتخصصها) [جامع الفوائد الغروية ص ٣٩].
- الاحتمال الثاني: كون خطه جهاديًا
من الأسباب الأخرى التي يرمى بها فكر السيد الخميني بالزيدية هو كونه جهاديًا، ودليل ذلك من خلال إقامته للثورة الإسلامية في إيران فهو بهذه الخصلة يشابه الفكر الزيدي المؤمن بالجهاد والثورات!
إلا أنّك لو أجريت مقارنة بسيطة بين فتاوى السيد الخميني وفتاوى السيد الخوئي لوجدت الأخير في فتاواه أكثر جهادًا من الأول، وتفصيل ذلك كالآتي:
بالرغم من أنّ السيد الخميني يقول بالولاية المطلقة للفقيه إلا أنّه يتوقف في مسألة (الجهاد الإبتدائي) ويفتي بكونه من مختصات الإمام المعصوم (عليه السلام)، والمقصود منه هو المحاربة من أجل الدعوة إلى الإسلام.
يقول السيد الخميني: (في عصر غيبة ولي الأمر وسلطان العصر (عجل الله فرجه الشريف) كان نوابه العامة – وهم الفقهاء الجامعون لشرائط الفتوى والقضاء – قائمين مقامه في إجراء السياسات وسائر ما للإمام (عليه السلام) إلا البدأة بالجهاد) [تحرير الوسيلة ج ١ ص ٤٨٢].
أما السيد الخوئي فيذهب إلى جواز الابتداء في الحرب من أجل الدعوة إلى الإسلام إذ يقول بعد مناقشة مطولة مع من يمنعونه: (وقد تحصل من ذلك أن الظاهر عدم سقوط وجوب الجهاد في عصر الغيبة وثبوته في كافة الاعصار لدى توفر شرائط.
وهو في زمن الغيبة منوط #بتشخيص_المسلمين من ذوي الخبرة في الموضوع أن في الجهاد معهم مصلحة للإسلام على أساس أن لديهم قوة كافية من حيث العدد والعدة لدحرهم بشكل لا يحتمل عادة أن يخسروا في المعركة، فإذا توفرت هذه الشرائط عندهم وجب عليهم الجهاد والمقاتلة معهم) [منهاج الصالحين ج ١ ص ٣٨٥].
وقال أيضًا: (لا يجوز البدء بقتال الكفار إلا بعد دعوتهم إلى الاسلام، فإذا قام المسلمون بدعوتهم إليه ولم يقبلوا وجب قتالهم… نعم لو كانوا مسبوقين بالدعوة أو عارفين بها لم يجب عليهم دعوتهم مرة ثانية، بل يجوز البدء بالقتال معهم) [منهاج الصالحين ج ١ ص ٣٩٠].
فمن خلال هذه المقارنة يُعلم أنّ كون الفقيه لديه فتاوى من هذا النوع لا يلزم منه أن يُتهم بالزيدية وتخريجه عن المذهب الشيعي الإمامي، بل إن من يرمي المؤمن بتهمة الزيدية لمجرد أن يراه يتكلم بالجهاد يدل على جهل ذلك الشخص بفتاوى الفقهاء فضلاً عن الخوض بأدلّتهم وتفاصيلها!
ولو كان المعيار كما يقولون لكان السيد الخوئي الذي هو زعيم الطائفة في وقته أحق بوصفه زيديًا من السيد الخميني الذي يتوقف في تلك المسألة التي افتى بها السيد الخوئي وفصل عليها!! وحاشا جميع العلماء الأبرار من تهم ودعاوى الجهال!